الشيخ الغزي :
سأبين لكم وبشكل مجمل ومختصر أدنى مستوى من مستويات التوحيد بحسب ما جاء في أحاديث العترة الطاهرة.
• أولا التوحيد ليس هو الله.. هذا القول الذي يقول أن التوحيد هو الله، هذا فكر وهابي ناصبي.. الله لا يوصف بالتوحيد..
التوحيد: فكرة عن الله سبحانه وتعالى، ولهذا التقسيم الموجود عند النواصب والذي انتقل إلينا من أن أصول الدين أولها: التوحيد، ثم النبوة، ثم الإمامة وفقا لفهم أن التوحيد هو الله هذا فهم خاطىء.. فالتوحيد ليس هو الله.. التوحيد فكرة عن الله سبحانه وتعالى.
• في ثقافة العترة الطاهرة التوحيد فكرة في عقولنا، فحينما تكتمل هذه الفكرة ويميل إليها القلب تنتقل شيئا فشيئا إلى عالم وجداننا، تنتقل إلى قلوبنا.. عملية التوحيد عملية تفعيل، تحريك.. يتوحد القلب مع العقل في فكرة عن الله نأخذها عن المعصوم.. هذا هو التوحيد، وهذه خلاصة لفهم ما قاله آل محمد. التوحيد فكرة تنشأ في العقل – قطعا بمقدمات وحجج وبراهين، ولها قاعدة في النفوس والأرواح وهي قاعدة الفطرة –
التوحيد إذا فكرة تتواجد في العقل ثم بعد ذلك تنتقل بالتدرج إلى القلب.. فمع إخلاص النية وصفاء الباطن تتوحد الفكرة بنفس المستوى ما بين القلب والعقل وحينئذ تنعكس على أفعال الإنسان وأقواله وأحواله ونواياه.. فهذا هو الموحد، وهذا هو التوحيد بالمعنى الإجمالي.
فعندنا توحيد في مستوى العقل وعندنا توحيد في مستوى القلب، يتوحدان معا لتتحقق عقيدة التوحيد عند الإنسان، وبعد ذلك تنعكس على أفعاله وأقواله وسائر شؤوناته.. هذا هو دين التوحيد.
● أبدأ من هذه النقطة فيما يرتبط بالتوحيد في مستوى العقل وأعرض نماذج من حديث العترة الطاهرة تتحدث عن هذا المضمون.
❂ وقفة عند حديث الإمام الكاظم في [الكافي الشريف: ج1] – باب أدنى المعرفة.. في صفحة 108 الحديث الأول:
(عن الفتح بن يزيد، عن أبي الحسن “الإمام الكاظم عليه السلام” قال: سألته عن أدنى المعرفة، فقال: الإقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه ليس كمثله شيء).
هذا هو أدنى المعرفة في مستوى التوحيد العقلي.. هذه المعاني في جذورها وفي أصولها عقلية محضة، ولذا يكون ثباتها أولا في العقل (في عقل الإنسان) يستطيع العقل الإنساني أن يدركها وأن يقيم الأدلة والحجج عليها.. فأدنى المعرفة في مستوى التوحيد العقلي هو الإقرار بأنه لا إله غيره ولا شبه له ولا نظير وأنه قديم مثبت موجود غير فقيد وأنه ليس كمثله شيء.
• قوله: (وأنه قديم مثبت) لا أول له، ولا آخر له.. إنه الحقيقة الأعظم، والتعابير قاصرة.
هذا هو المستوى الأول من التوحيد، وهو التوحيد العقلي، وهذه أدنى المعرفة.. وقد قلت في بداية حديثي أنني أتحدث عن أدنى مستويات التوحيد التي إذا ما خرج الإنسان منها خرج من دائرة الإسلام وفقا لمنهج علي وآل علي.
❂ التوحيد القلبي بالمجمل تحدثنا عنه هذه الرواية في كتاب [التوحيد] للشيخ الصدوق.
(عن عباد بن سليمان، عن سعد بن سعد، قال: سألت أبا الحسن الرضا “عليه السلام” عن التوحيد، فقال: هو الذي أنتم عليه)
الذي أنتم عليه: هو المضمون الذي نقرؤه في زيارة آل ياسين ونحن نخاطبه في زيارة آل ياسين: (وأشهد أنك حجة الله أنتم الأول والآخر) هذا هو التوحيد القلبي. هذا الذي يذكر في كتب العقائد التي كتبها علماؤنا هذا توحيد أبتر، ومع ذلك هو مخالف لمستوى أدنى المعرفة بالتوحيد العقلي.
علماؤنا يتحدثون عن التوحيد في الأفق العقلي فقط لأن النواصب هكذا يتحدثون عن التوحيد، لأن النواصب عزلوا التوحيد عن العترة، عزلوا التوحيد عن الإمام المعصوم. التوحيد لا معنى له إلا في معرفة الإمام المعصوم.. التوحيد عن آل محمد معرفة الإمام المعصوم، وهذا هو التوحيد القلبي.. إذا ما صبرتم علي في هذه الحلقة سأوضح لكم المطلب.
التوحيد الذي عليه النواصب هو التوحيد الذي تم بيانه في مرحلة التنزيل، أما في مرحلة التأويل فمعنى التوحيد تغير.
في مرحلة التنزيل النبي أراد أن يبعد الناس عن عبادة الأصنام والأحجار والأشخاص، فلو أن النبي “صلى الله عليه وآله” بين معنى التوحيد القلبي مثلما بينته الأحاديث في مرحلة التأويل لما استطاع الناس أن يخرجوا من عبادة الأصنام والأحجار والأشخاص.. وإنما نقلوا نفس ذلك الفهم وحولوه إلى النبي أو إلى الوصي أو إلى أي شخص يكون رمزا وبابا للتوحيد.. إنما كان هذا في مرحلة التأويل.
النواصب عزلوا المسلمين عن أمير المؤمنين، عزلوا الناس عن العترة الطاهرة وأسسوا على ما كان موجودا في مرحلة التنزيل.
مشكلة مراجعنا أنهم ساروا على نفس هذا المنهج الناصبي، فجعلوا التوحيد فقط في المستوى العقلي، ولذا حين نقرأ التوحيد في كتب مراجعنا نجد أنه جامد لا تأثير فيه في القلوب، وهو عاجز عن أن ينشئ علاقة صحيحة مع الله.
اقرأوا كتب الكلام.. فهل هذه المعاني التي تذكر في كتب علم الكلام تمتلك القدرة على تحريك القلوب والضمائر في علاقة صحيحة مع الله؟! أبدا.. التوحيد القلبي هو الذي يحرك القلوب، يحرك الضمائر.. لأن من أحبهم فقد أحب الله.. فنحن لا نستطيع أن نحب الله ونحن لا نعرفه.
• ما ذكره مراجعنا في كتب العقائد إنه التوحيد في مستوى العقل لا في مستوى القلب، وفوق هذا جاءوا وخرموه، فجاء توحيدا شركيا..! وأنا هنا لا أصف المراجع أنهم مشركون، وإنما أقول أن التوحيد الذي ذكروه في كتبهم الأئمة وصفوه بالشرك.. مراجعنا لا يعلمون هذه القضية بسبب جهلهم المركب، وبسبب تأثرهم بالفكر الناصبي، وبسبب ابتعادهم عن أحاديث العترة الطاهرة، وبسبب عدم معرفتهم القرآن وفقا لمنهج محمد وآل محمد فقد نقضوا بيعة الغدير.. كما يقول إمام زماننا في رسالته للشيخ المفيد وهو يتحدث عن مراجع الشيعة من أنهم نبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون.. فجوزوا بسوء التوفيق والخذلان.
● وقفة عند نماذج من أحاديث العترة تحدثنا عن تماهي التوحيد العقلي والقلبي، وهذا هو توحيد العترة الطاهرة.
❂ وقفة عند حديث الإمام الصادق في صفحة 108 الرواية الثالثة في كتاب [الكافي الشريف: ج1]
(عن إبراهيم بن عمر، قال: سمعت أبا عبد الله “عليه السلام” يقول: إن أمر الله كله عجيب إلا أنه قد احتج عليكم بما قد عرفكم من نفسه).
• قوله: (إن أمر الله كله عجيب) تعجب العقول له لأنها لا تستطيع أن تتواصل معه.. وقوله: (إلا أنه قد احتج عليكم بما قد عرفكم من نفسه) احتج علينا بحجته كما نقول في زيارة آل ياسين: (وأشهد أنك حجة الله، أنتم الأول والآخر).. وكما ورد عنهم “صلوات الله وسلامه عليهم”: (ولولانا ما عبد الله، ولولانا ما عرف الله). الرواية هذه ونماذج أخرى سأعرضها بين أيديكم تحدثنا عن تماهي التوحيد العقلي والقلبي، وهذا هو توحيد العترة الطاهرة.. انتقال الفكرة من العقل إلى القلب، وبعد ذلك حينما يتوحد العقل والقلب تترجم إلى عمل إلى قول إلى حال.. تترجم بالذي تترجم به.
❂ صفحة 203 الحديث الرابع في [الكافي الشريف: ج1] – باب معرفة الإمام والرد إليه:
(عن جابر الجعفي، قال: سمعت أبا جعفر “عليه السلام” يقول: إنما يعرف الله عز وجل ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت، فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا)
الحديث واضح.. تتماهى فيه معاني التوحيد العقلي والقلبي.. هذا هو التوحيد بين ما يجري في العقل وما يجري في القلب.
• قوله: (ومن لا يعرف الله عز وجل ولا يعرف الإمام منا أهل البيت، فإنما يعرف ويعبد غير الله هكذا والله ضلالا) مثلما قلت لكم من أن الصوفية ذهبوا في أوهامهم وخيالاتهم، والنواصب صنعوا لهم إلها هم صنعوه بحسب مقاساتهم.. علماؤنا ومراجعنا ضاعوا بين هذين الإثنين وبقي توحيد آل محمد حبيسا في هذه الكتب.. هذا هو الذي يجري على أرض الواقع..!
❂ وقفة عند حديث آخر في نفس الاتجاه، اتجاه “التماهي بين التوحيد العقلي والقلبي”.
الحديث في كتاب [التوحيد] للشيخ الصدوق – باب ثواب الموحدين والعارفين – الحديث (22) من أحاديث السلسلة الذهبية
(عن إمامنا الرضا عن آبائه وأجداده المعصومين الأطهار إلى أن يصل السند إلى أمير المؤمنين قال: سمعت النبي “صلى الله عليه وآله” يقول: قال الله جل جلاله: إني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدوني، من جاءني منكم بشهادة أن لا إله إلا الله بالإخلاص دخل في حصني، ومن دخل في حصني أمن من عذابي)
❂ وقفة عند حديث الإمام الصادق في كتاب [بحار الأنوار: ج3] صفحة 12 الحديث 25
(عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: يا أبان، إذا قدمت الكوفة فارو هذا الحديث: “من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا وجبت له الجنة”.قال: قلت له: إنه يأتيني من كل صنف، أفأروي لهم هذا الحديث؟
قال: نعم – يا أبان – إنه إذا كان يوم القيامة وجمع الله الأولين والآخرين، فتسلب لا إله إلا الله منهم إلا من كان على هذا الأمر).
• قوله: (من شهد أن لا إله إلا الله مخلصا) الإخلاص لا يكون في العقل، الإخلاص يكون في القلب، وهذا هو التوحيد القلبي.
هؤلاء الأصناف تسلب منهم “لا إله إلا الله” يوم القيامة لأنهم يتحدثون عن التوحيد في المستوى العقلي وهو توحيد أبتر.. الذي يكون موحدا هو من كان توحيده عقليا قلبيا.
❂ وقفة عند بعض ملامح التوحيد القلبي في الزيارة الجامعة الكبيرة:
نقرأ في الزيارة الجامعة الكبيرة هذه العبارات:
(بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي، من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم..)
إنني أقرأ من مفاتيح الجنان والزيارة هنا محرفة.. فالصيغة الصحيحة هي: (ومن قصده توجه إليكم) وهي موجودة في الطبعات الأولى للمفاتيح المنسوخة عن الطبعة التي كتبها المحدث القمي بنفسه.. هذا هو النص الأصل.
(وقفة توضيح لهذه النقطة وبيان المصادر الأصل للزيارة الجامعة الكبيرة).
فالصيغة الصحيحة في الزيارة الجامعة الكبيرة هي: (ومن قصده توجه إليكم) وهي تحمل نفس المضمون الوارد في دعاء الندبة الشريف: (أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء؟).
● (من أراد الله بدأ بكم) البداية من هنا، لأننا لا نستطيع التواصل مع الله، إننا نعرف الله في مستوى العقل، أما في مستوى القلب فإننا لا نعرفه.. والذين يقولون أنهم يعرفون الله في مستوى القلب فتلك أوهامهم.. وما من شيء توهمتموه إلا وهو من خلقكم.. إننا نثبت وجوده في المستوى العقلي، ونثبت صفاته الذاتية ونثبت كماله وجماله وجلاله في المستوى العقلي وبالإجمال.. فإذا أردنا أن نترجم هذا التوحيد في قلوبنا فليس من جهة نتوجه إليها إلا الجهة التي حددها لنا هو سبحانه وتعالى بحيث نستطيع أن نتواصل معها (أين باب الله الذي منه يؤتى؟ أين وجه الله الذي إليه يتوجه الأولياء؟) إنهم محمد وآل محمد، وعنوانهم في زماننا بقية الله الحجة بن الحسن “صلوات الله وسلامه عليه”.
• قوله: (ومن وحده قبل عنكم) أي من وحد الله توحيدا عقليا قبل عنكم.. الأصل هو الإمام المعصوم، والتوحيد من فروعه وهذا المضمون موجود في كلماتهم “صلوات الله وسلامه عليهم” كما نقرأ في رسالة إمامنا الصادق للمفضل بن عمر في كتاب [بصائر الدرجات] حيث يقول “عليه السلام”:
(ثم إني أخبرك أن الدين وأصل الدين هو رجل، وذلك الرجل هو اليقين وهو الإيمان وهو إمام أمته وأهل زمانه، فمن عرفه عرف الله ومن أنكره أنكر الله ودينه، ومن جهله جهل الله ودينه وحدوده وشرائعه…).
الرواية واضحة تشخص أصل الدين، وفي نفس الوقت تخبرنا أن التوحيد يتفرع عن هذا الأصل لأننا حين نعرف إمامنا فإننا نعرف الله، فمعرفة الله فرع عن معرفة إمام زماننا. نحن حين نتحدث عن التوحيد إننا نتحدث عن معرفة، عن فكرة، عن عقيدة نأخذها من الإمام المعصوم.. فحين أقول: “إن الإمامة هي الأصل” هذا لا يعني أن الإمام أفضل من الله، هذا تفكير وهابي سخيف ومنطق مرجعي تافه مشبع بالثقافة الناصبية.. أما القول المطهر الأصيل فهو قول إمامنا الصادق “صلوات الله وسلامه عليه”. الله سبحانه وتعالى وجهنا إلى وجهه، ووجه الله هو إمام زماننا، فهو الأصل والتوحيد فرع من فروعه.
• هذا المقطع من رسالة الإمام الصادق للمفضل بن عمر يشتمل على المطالب التالية:
✦ أولا: الدين له أصل واحد هو الإمام المعصوم، وانتهينا.
✦ ثانيا: التوحيد فرع يتفرع عن الإمام، لأن التوحيد ليس هو الله، وإنما التوحيد فكرة، معرفة نأخذها من مصدر المعرفة وهو إمام زماننا.
✦ ثالثا: هذا الحديث أيضا يشتمل على معنى التماهي بين التوحيد العقلي والقلبي كما مرت الأحاديث السابقة.. فهذا الحديث واضح في تماهي معاني التوحيد العقلي والتوحيد القلبي.
❂ وقفة عند حديث مهم لإمامنا الصادق في [تفسير البرهان: ج1] صفحة 57 الحديث 11:
(عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: نحن أصل كل خير، ومن فروعنا كل بر، فمن البر التوحيد والصلاة والصيام وكظم الغيظ…)
التوحيد من فروعهم.. هذا هو منطق العترة يا أشياع العترة.. أما ما تقرأونه في هذه الكتب العقائدية التي تدرس في الحوزات الشيعية، فهذه لا علاقة لها بتوحيد آل محمد. الصلاة أيضا من فروعهم “صلوات الله وسلامه عليهم” لأن الصلاة أيضا هي فكرة قبل أن تكون طقوسا.
❂ وقفة عند حديث سيد الشهداء في كتاب [علل الشرائع] الباب التاسع : علة خلق الخلق واختلاف أحوالهم.
(عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: خرج الحسين بن علي “عليهما السلام” على أصحابه فقال: أيها الناس إن الله عز وجل ذكره ما خلق العباد إلا ليعرفوه، فإذا عرفوه عبدوه، فإذا عبدوه استغنوا بعبادته عن عبادة ما سواه، فقال له رجل: يا بن رسول الله بأبي أنت وأمي فما معرفة الله؟ قال: معرفة أهل كل زمان إمامهم الذي يجب عليهم طاعته).
● وقفة عند نماذج أخرى من الأحاديث تصب في نفس الاتجاه لأجل أن تتضح الصورة بنحو أكثر.
❂ وقفة عند حديث الإمام الصادق في كتاب [بحار الأنوار: ج39] صفحة 249 الحديث (11)
(عن إمامنا الكاظم، عن أبيه، عن جده: ، عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله “صلى الله عليه وآله”: إني لأرجو لأمتي في حب علي كما أرجو في قول لا إله إلا الله)
هذا هو التماهي والتناغم الكامل بين التوحيد العقلي والقلبي.. بينه رسول الله لخواصه بالتفصيل وللأمة بالإجمال، ولكن الذي كان شائعا في مرحلة التنزيل هو التوحيد في المستوى العقلي، ولكن رسول الله “صلى الله عليه وآله” بينه للأمة عموما بالإجمال، إلى أن فتح بوابة مرحلة التأويل في بيعة الغدير، والحكاية لها تفصيل.
• قول “لا إله إلا الله” هو في مستوى العقل، أما “حب علي” فهو في مستوى القلب.. هذا هو توحيد محمد وآل محمد إذا كنتم تبحثون عنه.. والمضمون هو هو في حديث السلسلة الذهبية الرضوية.. فقد جاءنا بنسختين عن الله سبحانه وتعالى.. إذ يقول الباري عز وجل:
• (لا إله إلا الله حصني، فمن دخل حصني أمن من عذابي)
• (ولاية علي بن أبي طالب حصني فمن دخل حصني أمن من عذابي)
❂ وقفة عند تفسير العترة الطاهرة للآية 38 من سورة النبأ في [تفسير البرهان: ج8]:
{يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الروحمن وقال صوابا} جاء في أحاديث العترة الطاهرة في معنى هذه الآية:
(عن أبي خالد القماط، عن أبي عبد الله، عن أبيه “عليهما السلام” قال: إذا كان يوم القيامة وجمع الله الخلائق من الأولين والآخرين في صعيد واحد، خلع قول لا إله إلا الله من جميع الخلائق إلا من أقر بولاية علي بن أبي طالب، وهو قوله تعالى: {يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا}).
كل الروايات وكل الأحاديث عن آل محمد في باب التوحيد تتحدث عن هذه الحقيقة التي لا يتحدث عنها أحد، لأن التشيع لآل محمد بقي محبوسا في الكتب.. أما التشيع الذي في واقعنا الشيعي فهو تشيع للمراجع على الذوق الشافعي والمعتزلي.. هذا هو منطق آل محمد.
❂ وقفة عند حديث الإمام الصادق في كتاب [بحار الأنوار: ج3] صفحة 12 الحديث (26)
(عن أبان بن تغلب، عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: إذا كان يوم القيامة نادى مناد: من شهد أن لا إله إلا الله فليدخل الجنة، قال: قلت: فعلى ما تخاصم الناس إذا كان من شهد أن لا إله إلا الله دخل الجنة؟ فقال : إنه إذا كان يوم القيامة نسوها).
• قوله: (إنه إذا كان يوم القيامة نسوها) نسوها لأنها كانت في المستوى العقلي فقط، والمستوى العقلي لن تكون له الفاعلية كالمستوى القلبي.. المستوى القلبي له خصوصيته، ولذا الحديث دائما عن القلب.. صحيح أن من معاني القلب: العقل، ولكن في أكثر الأحيان حين يكون الحديث عن القلب إن كان في الكتاب الكريم أو في أحاديث العترة الطاهرة فإن القلب هو القلب، ليس هو العقل الذي يكون محلا وموضعا للمعلومات والأفكار الرياضية المجردة.
● وقفة عند روايتان مهمتان جدا في كتاب [بحار الأنوار: ج90] صفحة 368:
❂ (عن إمامنا الكاظم “عليه السلام” قال: قال قوم للصادق “عليه السلام”: ندعو فلا يستجاب لنا، قال: لأنكم تدعون من لا تعرفونه)
المعرفة هي هذه التي حدثتكم عنها من أحاديث العترة الطاهرة.. تتحقق المعرفة بالله سبحانه وتعالى حين نعرف محمدا وآل محمد.. من عرف إمامه عرف الله.
❂ (عن جميل بن دراج، عن أبي عبد الله “عليه السلام” قال: قال له رجل: جعلت فداك إن الله يقول: {ادعوني أستجب لكم} فإنا ندعو فلا يستجاب لنا..! قال: لأنكم لا تفون لله بعهده، وإن الله يقول {أوفوا بعهدي أوف بعهدكم} والله لو وفيتم لله لوفى الله لكم)
وإمام زماننا في رسالته للشيخ المفيد يتحدث عن أكثر مراجع الشيعة فيقول:
(مذ جنح كثير منكم إلى ما كان السلف الصالح عنه شاسعا، ونبذوا العهد المأخوذ عليهم وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون).
وهذه الجناية جرت علينا بسببهم.. وها نحن في هذا الوضع السيء الفاشل، وفي هذه العلاقة المختلة بإمام زماننا “صلوات الله وسلامه عليه”.. علاقتنا بإمام زماننا ليست علاقة سليمة قويمة رشيدة كما هو يريد.
● إلى هنا عرضت عليكم صورة إجمالية موجزة في ثقافة العترة الطاهرة.. التوحيد العقلي لوحده توحيد أبتر، ولاحظتم الروايات وأنها تخبرنا أن الناس يسلب منهم قول لا إله إلا الله.
لا يخدعونكم ويقولون لكم إن ولاية علي بن أبي طالب هي شرط.. ولاية علي بن أبي طالب توحيد وليست شرطا.. أما الروايات التي تشتمل على مضمون أنها ولاية علي شرط فهي تقع في الروايات التي تأتي بلسان التقية ولسان المدارة.. أما الحقيقة التي تتجلى من كل ما جاءنا عنهم “صلوات الله وسلامه عليهم” في قرآنهم المفسر بحسب منهجهم وفي حديثهم الذي يفهم بحسب قواعد الفهم والتفهيم من نفس حديثهم “صلوات الله وسلامه عليهم”.. فإن ولاية علي بن أبي طالب هي التوحيد، ولذا عبر عن علي بأنه هو (الإسلام، هو الإيمان، هو اليقين، هو القرآن الناطق، هو الحق، هو الصراط المستقيم).
فهناك التوحيد العقلي، وهناك التوحيد القلبي. (من أراد الله بدأ بكم، ومن وحده قبل عنكم، ومن قصده توجه بكم)
إذا ما عرفتم معنى التوحيد بهذا المستوى وهو أدنى مستوى في معرفة التوحيد.. ستفهمون الأدعية والزيارات وستفهمون القرآن بشكل آخر.
مقطع من برنامج اطلالة على هالة القمر – الحلقة (21)
عقيدة التوحيد ما بين مراجع الشيعة والعترة الطاهرة ج2
قناة القمر الفضائية 6 ربيع الاول 1440هـ الموافق: 14/11/2018
شاهد الحلقة كاملة:
أضف تعليقك