بحث مخصّص

– قول الآية {مُستقرٌّ ومتاعٌ إلى حين} هذا التعبير (مُستقرٌّ) أي تستقرّون فيها إلى اليوم الذي تُغادرون هذا التراب
سيّد الأوصياء حين يقول: (إنّي لا أعرف يقيناً لا شكّ فيه صار شكاً لا يقين فيه مثل الموت). فالموتُ يقين لا شك فيه، ولكننا نتعامل معه في حياتنا على أنّه شكٌ لا يقين فيه! والبقاء مشكوكٌ بالنسبةِ لنا في أيّ لحظةٍ مِن لحظاتِ حياتنا، لكنّنا نتعامل مع البقاء بشكلٍ يقيني وكأنّنا باقون خالدون مُخلّدون!
{ومَتاعٌ إلى حين} المتاعُ هو ما يتغيّر مِن شُؤوناتنا.. يُمكن أن يكون متاعُ الدنيا في (لباسها، وطعامها وشرابها، سائر ما يَحتاجه الإنسان..)
{قال فيها تَحيُون وفيها تَموتون ومنها تُخرجون} هُناك تنتهي سُطور حياتكم على هذا التراب فتَعودون إلى باطن هذه الأرض.
{قد أنزلنا عليكم لباساً} الحديث عن الإنزال هُنا ليس مِن جهةٍ عاليةٍ مَكاناً، وإنَّما مِن جهةٍ عاليةٍ رُتْبةً.. الإنزالُ من منابع الفيض،
{يواري سَوآتكم} السَوءةُ هُنا أعمُّ من العَورة.. يواري أي يُغطي ويُخفي..
{وريشا} والريشُ هو ما يحتاجه الإنسان في شؤون حياتهِ اليومية (أثاثُ البيوتِ وسائر التفاصيل التي نحتاجها في مساكننا وفي منامنا وفي سائر تفاصيل الحياة المُختلفة..)
أمّا لبس التقوى فالحديث هنا عن لباسٍ معنويّ يذهبُ بعيداً في أغوار النفس الإنسانية.. كما عُبِرّ عنه في أحاديثهم الشريفةِ بالعَفاف.
{ينزعُ عنهما لباسهما} ذلك لباسُ الولاية.. وإلّا فإنّ أبانا آدم وأُمّنا حوّاء ما كانا يَمتلكانِ الأجهزة التناسلية – كما مرّ – الّلباس كان لباساً جنانياً يتناسب وتلك المرحلة.. إنّه لباسُ الولاية.
{يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان} لا تسمحوا للشيطان أن يقودكم إلى زوايا مُظلمة
{إنّه يَراكم هو وقبيلهُ} أنّ إبليس طلب من الله أن يُسلّطهُ على وُلْد آدم، وهو أن يراهم (أي بني البشر) ولا يَرونه.
{لأحتنكَنَّ ذُرَّيَتهُ} أقودهم كما تُقاد الدواب..!
{إنّا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون – أي لا يؤمنون بمحمّدٍ وآل محمّد -}
{قُلْ إنَّ اللهَ لا يأمرُ بالفحشاء} الفحشاء : الخروج عن الحدود المنطقيّة والحكمة والعقل والصواب والطهارة والنقاء.
{قل أمرَ ربي بالقِسْط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين }. القسط هو العدل، والعدل هنا هو الحكمة، والحكمةُ هي أنّنا لا نتجاوزُ الفطرة والعَقل والمنطق.. لا نتجاوز الحُسن إلى القُبح، أن نزن الأمور بموازينها وموازين الأمور عندهم “صلواتُ الله عليهم”
والقسط عنوانٌ يُذكّرنا بإمام زماننا بالحُجّة بن الحسن فهو الذي يَملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلئتْ ظُلماً وجورا
{وأقيموا وجوهكم عند كلّ مسجد} أقيموا وجوهكم باتّجاه القِبلة.. هذا معنى من المعاني. ولكن المعنى الذي يُريده الإمام الصادق في قولهِ تعالى: {وأقيموا وجوهكم عند كلّ مَسجد} قال “عليه السلام”: يعني الأئمة).
{قل أمرَ ربي بالقِسْط} القسط عند فاطمة؛ لأنّ الله تعالى يرضى لِرضاها ويَغضب لِغضبها.. لو يكن القِسْط (العدل، الحكمة، العلم الكامل المُطلق المعصوم) لو لم يكن عند الزهراء فكيف صارت ميزاناً..؟! لذلك هي قيّمة.
القيّمة أحدُ شؤوناتها أنّها مِيزان التقييم، هي التي تُقَيِّم .. ولذلك يَرضى الله لرضاها ويسخطُ لِسَخَطها.
{فريقاً هدى وفريقاً حقَّ عليهم الضلالة إنّهم اتّخذوا الشياطين أولياءَ مِن دُون اللهِ – يعني أئمة الجور دون أئمة الحقّ – ويَحسبون أنَّهم مُهتدون – أي يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعا -}. وهذا المعنى ذكره الإمام الصادق في تفسير الإمام العسكري حِين وصف جمعاً كثيراً مِن مَراجع التقليد عند الشيعة بأنّهم أضرّ على ضُعفاء الشيعة مِن جيش يَزيد على الحُسين بن عليّ وأصحابه.. يعني أضرّ مِن أئمة الجور، فهم داخلون في هذه الآيات.
{يا بني آدم خُذوا زِينتكم عند كلّ مسجد وكُلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنّه لا يُحبُّ المسرفين}
(وقفة مُرور سريع على جانب مِن الأحاديث المعصومية الشريفة).
● {وكُلوا واشربوا ولا تُسرفوا إنّه لا يُحبُّ المسرفين} المُسرفون هم الذين يخرجون فيما يفعلون عن الحدّ المعقول، عن حدّ الحكمة.
● هذه الحادثة جميلة وتُحدّثنا عن شُؤونات الناس في ذلك الوقت، والإمام يضعُ لنا قاعدة تُبيّن لنا معنى الإسراف: (إنّما الإسراف فيما أفسدَ المال وأضرَّ بالبدن). هذه القاعدة أفضلُ مِصداقٍ لها هو التدخين.
أليسَ التدخين مَفسَدة للمال؟ ومفسدة للبدن؟ المُراد مِن إفساد المال أنّه يُنفَق في شيءٍ لا نَفْع فيه، بل إنّ التدخين هو إنفاقٌ في المضرّة للنفس وللآخرين أيضاً.. فلا غُبار على إضراره بالبَدن.
إذا ما أكلنا وشربنا مِن دُون الإسراف فهذا أيضاً هو جُزءٌ مِن الزينة، ولكن إذا أسرفنا فإنّنا خَرجنا عن حُدود الزينة.. وهذا يدلّك على أنّ التدخين ليس مِن الزينة، وعلينا أن نُجنّب مساجدنا عن هذه القذارة..!
✤ أهمّ نقطةٍ تمتّ الإشارة إليها في هذهِ الحلقة هي في قولهِ تعالى: {وأقيمُوا وُجوهكم عند كلّ مسجد} عند كُلّ إمام، كما قال الأئمة.
بعبارة مُختصرة: حين يقول رسول الله: (زيّنوا مجالسكم بذكر عليّ) النبي يتحدّث عن المَجالس في المَساجد، والحُسينيات، المراكز الثقافية، والمَدارس والأماكن المُعدّة للتعلّم والتعليم.. فهذه الأماكن هي المِصداق الأوّل. ولكن مُشكلة مساجدنا أنّها تُعاني من مُشكلتين مع عليّ:
• المُشكلة الأولى: أنّه حِين يُذكر عليّ في الأذان والإقامة فيُذكر ويُنتقصُ مِن مقامه .. لأنّ ذكر عليّ واجب في الأذان والإقامة.. ولكن المؤسسة الدينية علّمتكم أن تذكروا عليّاً بشكلٍ ناقص مُجتزأ..! فلا ينطبق عليكم أنّكم تُزيّنون مَجالسكم بِذكر عليّ!
مساجدنا تُعاني مِن هذه المُشكلة.. إنّها تُسيءُ الأدب مع عليّ حين تذكر عليّاً بعنوان عدم الجزئية.
• والمُشكلة الثانية: أنّ مساجدنا وحُسينيّاتنا لا تأخذُ تفسير القرآن مِن عليّ، فهي بذلك تنقضُ بيعةَ الغَدير مع عليّ!

عرضت على قناة القمر الفضائية:
الاثنين : 16 شهر رمضان 1438هـ الموافق : 12/6/2017م

أضف تعليقك

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.