✤ في الحلقة السابقة تجوّلتُ معكم في رياض أحاديث آل محمّد، ووصلتُ إلى [تفسير القُمّي] وقرأتُ عليكم ممّا رواه عليّ بن إبراهيم عن الإمام الصادق “صلوات الله عليه”.. وأُعيد قِراءة ما جاءَ عن إمامنا الصادق في [تفسير القُمّي] فللحديث بقيّة
أهمّ ما جاء في الروايتين: في الرواية الأولى الإمام الصادق يُحدّثنا عن أمرين مُهمين:
• الأمر الأول: ما يرتبط بقياس إبليس.
• والأمر الثاني: ما يرتبطُ بالحوار الذي دارَ فيما بين الله سُبحانه تعالى وبين إبليس.
■ قياسُ إبليس أخذهُ إلى أنّه يُريد أن يعبدَ اللهَ مِن حيثُ يُريد هو.. بل ربّما أنّ هذهِ الحالة هي التي أخذته إلى القياس (الأمور مُتداخلة)
العقول بإمكانها أن تُدرك الكلّيات مِن الدين.. ومن لا عقل له لا دين له.. والأنبياء حُجَجٌ ظاهرة والعقول حُجَجٌ باطنة، وما بعِثَ الأنبياء إلّا لإثارة دفائنُ هذهِ العقول. (هذا منطِقُ الكتاب والعِترة).
✤ وقفة قصيرة عند تساؤل ورد على سماحة الشيخ بشأن مضمون تَمّ بيانهُ في الحَلقاتِ المُتقدّمة يتعلّقُ بمَوقف إبليس حِين رفضَ السُجود لآدم واستعمل القياس وقال: {خلقتني من نارٍ وخلقتهُ مِن طين}
مضمون الاستفسار: هل كان إبليسُ ساذجاً وسَطحياً ونَظَر للظاهر فقط..؟ أمّ أنّه نَظَر للباطِن وأدرك عُمْق الباطن فاستكبرَ وأعرضَ عنه ووقف على الظاهر استكباراً وحسداً؟ لاسيّما وأنّ إبليس يَعلم الخَير كُلّه والشرّ كُلّه – كما أشار لِذلك الشيخ في برامج سابقة –
فكيف نَفهم حال إبليس مع كُلّ هذهِ المُلابسات التي أُشير إليها في التساؤل..؟!
■ الجواب عن هذا التساؤل سأجعله في نقاط سريعة:
• أولاً : إبليسُ يعلمُ الخَير كُلّه ويعلمُ الشرّ كُلّه لبديهةٍ نحنُ نعرفها: فإنّ إبليس ينهى عن كُلّ خيرٍ ويأمرُ بكلّ شرّ، فكيف ينهى عن شيء لا يعلمه؟ وكيف يأمرُ بشيءٍ لا يعلمه (قطْعاً هو يَعلمُ كُلّ خير، ويعلمُ بكلّ شر).
• ثانياً : إبليس يعرفُ ظواهر الأمور وبَواطنها، ومِن هُنا تأتي وساوسهُ التي بسببها نَشأتْ الفِرَق الباطنية، بغضّ النظر عن باطنٍ على حقٍّ وعن باطنٍ على باطل (فما كُلّ ما يُصطلحُ عليه “الباطن” هو باطِل، وما لا كُلّ ما يُصطلحُ عليه “باطل” هو باطن).
إنّي مؤمنٌ بظاهركم وباطنكم.. وللقرآن ظاهرٌ وباطن، والإيمانُ إيمانٌ بظاهر وباطن.. فإبليسُ يخلط بين الحقّ والباطل.
فإبليسُ يعرفُ الخَير كلّه، وإبليسُ يَعرف الشرّ كُلّه.. وقطعاً مِن فُروع الخَير كلّه ومِن فروع الشرّ كلّه أنّه سيعلمُ الظاهر والباطن.
• ثالثاً: إبليسُ أيضاً قاس الأمور بشكلٍ ساذج.. هذا قياسٌ ساذج الذي قاسه إبليس ووصل به إلى ما وصل إليه
■ تقريب الفكرة:
مثل جهاز الكُمبيوتر.. فهذا الجهاز فيه المَعلومات، ولكنّه مَضروبٌ بفايروس، ولذلك يُعطي نتائج خاطئة.
✤ صورةٌ ألتقطُها لكم مِن حديث إمامنا الصادق.. الإمام يُحدّثنا عمّا دار مِن حوارٍ بين إبليس وأبينا آدم وأُمّنا حوّاء.. وهذا الحوار أدّى بِهما إلى أن أكلا مِن الشجرة.
● فما تحدّثت عنه “قصّة الخلافة” تحدّثتْ عن بُنيان قوى الإدراك تكويناً عند الإنسان، وكان أبينا آدم الأنموذج والأمثولة التي تجلّت فيها كُلّ هذه التفاصيل.. فكانت قصّة أبينا آدم على شطرين:
• شطرٌ قبل الأرض: وهذه حكايةُ التكوين الإنساني (تكوينٌ لِخارطة برنامج الخلافة.. وتكوينٌ لِمثالٍ وأنموذج سينزل إلى الأرض، وهذا الأنموذج تجلّى في أبينا آدم بعد أن نزل إلى الأرض).
• وشطرٌ بعد الأرض: وهذا الشطرُ يُمثّل حكايةُ نبيّ معصوم، وحكاية إنسان مُستخلفٍ على التُراب وحكايةُ والدٍ نحنُ أولاده.
■ وقفة عند مُحاورة بين الإمام الصادق وبين أبي حنيفة في كتاب [الاحتجاج: ج2] وهي مِصداق مِن مصداق القياس الإبليسي والعمل الإبليسي.
■ وقفة عند حديث أبي حنيفة مع الإمام الصادق “عليه السلام” في [كتاب القطرة للسيّد أحمد المُستنبط: ج1] والذي نقله عن كتاب [كنز الفوائد] للكراجكي).
■ صورة أخرى: وقفة عند حديث آخر للإمام الصادق مع أبي حنيفة في [بحار الأنوار: ج47] جاء فيه:
(وخرجَ أبو عبد الله يتوكّأ على عصا فقال له أبو حنيفة: يا ابن رسول الله، ما بلغتَ مِن السِن ما تحتاجُ معه إلى العَصا، قال: هو كذلك ولكنّها عصا رسول اللهِ أردتُ التبرُّكَ بها، فوثبَ أبو حنيفة إليه، وقال لهُ: أُقبّلُها يا ابن رسول الله، فحَسَرَ أبو عبد الله عَن ذِراعهِ وقال لهُ: واللهِ لقد علمتَ أنَّ هذا بَشَرُ رسول الله – أي جلدهُ ولحمهُ ودمهُ – وأنَّ هذا مِن شَعْرهِ، فما قبَّلتهُ وتُقبّل عصا..!)
هذا الإعوجاج في المنطق.. هذهِ السَذاجة في التفكير. أبو حنيفة يَعلم أنّ هذا دم ولحم رسول الله، والآن عَلِم أنّ هذهِ العَصا هي عَصا رسول الله.. فقبّل العصا!.. صحيح أنّ عصا رسول الله لها قيمة، ولكن.. ما قيمة العصا بالقياس إلى رسول الله..؟!
فالقضيّةُ ليستْ في المَعلومات، القَضيّةُ في طَريقةِ التفكير.. القِصّة هي القِصّة.. وهذا الحالُ موجودٌ عندنا، أنشأتهُ المؤسسة الدينية.
(وقفة توضيح لصورة هذه النقطة في واقع المؤسسة الدينية).
■ لقطة أخرى أيضاً في أجواء أبي حنيفة في [بحار الأنوار: ج47] جاء فيه:
(يقول أبو حنيفة لِمُؤمن الطاق إنّكم تقولونَ بالرجعة. قال: نعم. قال أبو حنيفة: فأعطني الآن ألفَ درهم حتّى أعطيكَ ألف دينار إذا رجعنا – يستهزئ بالرجعة -. قال الطاقي لأبي حنيفة فأعطني كفيلاً بأنّك ترجعُ إنساناً ولا ترجعُ خنزير)
هذا النَفَس (نَفَسُ الاستهزاء بالرجعة أليس موجوداً عِندَ مراجعنا..؟!) فهناك مِن المراجع مَن يقول أنّ الرجعة لا تُساوي عنده قُلامة ظِفر! وآخر يقول لا تُساوي عنده فلساً! وتكاد كلمتُهم تُجمع أنّه لا تأثير سلبي على إيمان مَن لم يعتقد بالرجعة..! بينما الأئمة يقولون: ليسَ منّا مَن لم يُؤمن برجعتنا.
عرضت على قناة القمر الفضائية:
الاحد : 15 شهر رمضان 1438هـ الموافق : 11/6/2017م
أضف تعليقك